المجتمع اليمني قديماً

التباين الطبقي هو الأكثر وضوحا في اليمن في العصور القديمة وذلك لعوامل عديدة أهمها نمط الاستقرار أو التحضر القروي، ووجود نظم وحكومات مستقرة وعمل السكان بالزراعة والتجارة. هذا لا يعني عدم وجود الطبقية عند أهل البادية، ولكنها ليست بنفس التباين والوضوح.[168] كان المكرب أعلى طبقة اجتماعية في البلاد ولم يحكم منفردا لوجود مكاربة آخرين لاينظرون لأنفسهم بدرجة أقل. وكما يتضح من نقوش خط المسند، فقد يتشارك في حكم المملكة أكثر من مكرب تصل إلى ثلاثة مكاربة في وقت واحد. يليهم طبقة اسمها “أبعل” و”أسود” وأدق ترجمة لها هي أرباب وسادة ومفردها “بعل” وهم سادة المجتمع وصفوته وأشرافه ووجهاء أقوامهم، تعني الزعماء الذين يتزعمون أكثر من قبيلة ولديهم أراضي وإقطاعيات واسعة.[169][170] يشاركهم هذه المنزلة الأقيال وهم ملاك إقطاعيون ممن يمتلك أراض كثيرة ولها نفس معنى أبعل بالضبط. وطبقة اسمها الأذواء وهم أشراف وسادة ولكنهم ليسوا ملوكا فنجد عبارات مثل “ذو يزن” ومعناها رئيس أو صاحب بيت يزن فهو شريف ولكنه ليس بدرجة المكرب أو الملك.[171]

وجود سادة وأقيال سيقابله طبقات معدمة محرومة كنتيجة طبيعية ويقال لهذه الفئات بلغة المسند “قطن” و”آدم” و”صغرم”. كان هناك طبقة الجنود والمقاتلين ويشار إليهم في النصوص بلفظة “أسدم” والميم في آخر الأعلام هي أداة التنكير في العربية الجنوبية والنون في آخرها وهي مقابل ال التعريف [172][173] إلا أن اليونان اعتبروهم أعلى طبقة [174] تليهم طبقة أخرى وهم شذاذ القبائل والمرتزقة وكان يستعملهم الملوك والإقطاعيون إلى جانب طبقة المحاربين. وكانت هناك طبقة من المزارعين ويقال لهولاء “قسدن” وجمعهم “قسود” وهم مزارعون يعملون لقاء أجر للأقيال والأذواء ومفروض عليهم الخدمة العسكرية والقتال عند وقوع الحرب. وكون التجار وأصحاب القوافل طبقة خاصة بهم وعرفوا باسم “مكر” في نصوص المسند وهم دون الأقيال والأبعل ولكنهم مهمين وعماد اقتصادي للبلاد بسبب الضرائب التي يدفعونها.[175]

أدنى الطبقات كانوا العبيد ويشار إليهم بألفاظ “عبدن” و”عبدم” و”آدم”.[176] أما عوام الناس يقال لهم “جوم” وهي مرادف قوم لإن الجيم تنطق مصرية في العربية الجنوبية القديمة، أو “أخمس” وكلمة أخمس تحدد وطن الشخص. كلمة “جوم” وجدت مقرونة بآلهة فيقال “جوم مقه” أو “جوم عثتر” وهي آلهة تتشارك عدد من الأقوام في تقديسها فلا يستدل بها على مملكة الشخص، عكس كلمة “أخمس” فيقال في النصوص “أخمس معن” وتعني مواطني معين.[177] وتستعمل كلمة “شعبن” و”شعبم” كذلك وهي أقرب لقبيلة.[178] وتختلف المصطلحات من مملكة لأخرى، فالسبئيون كانوا يطلقون كلمة ملك على ملوك المقاطعات التابعة لهم أما المعينيين فكنوا يستعملون كلمة “كبر” (كبير) لوصفهم وهم المسؤولون عن المقاطعات البعيدة ويقومون مقام حاكم الولاية.

 

أضف تعليق